دهاء النساء عند العرب… حين يكون الذكاء أبلغ من السيوف لم يكن دهاء النساء عند العرب مجرد طرفة تُروى، بل فطنة حاضرة ولسانًا يصيب موضعه، وكلمة إذا خرجت أدهشت وأسكتت. دخلت بثينة صاحبة جميل على معاوية بن أبي سفيان وقد جاوزت من العمر عتيًّا، فقال لها معاوية مازحًا: «ما الذي رآه جميل فيك حتى قال فيك ما قال من الشعر والغزل؟» فقالت غامزة: «رأى فيَّ ما رآه فيك المسلمون حين ولّوك خليفةً عليهم». فضحك معاوية، فقد جاءت الكلمة في موضعها. ووقف المهدي على عجوز من العرب، فقال لها: «ممن أنتِ؟» قالت: «من طيء». قال: «وما منع طيئًا أن يكون فيهم آخر مثل حاتم؟» فقالت على الفور: «الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك». فعجب من سرعة جوابها، وأمر لها بعطاء وصِلة. ويحكي الأصمعي أنه رأى بدوية في غاية الحسن، وزوجها قبيح، فقال لها متعجبًا: «أترضين أن تكوني تحت هذا؟» فقالت بثبات المؤمن: «لعله أحسن فيما بينه وبين ربه فجعلني ثوابه، وأسأتُ فيما بيني وبين ربي فجعلَه عذابي، أفلا أرضى بما رضي الله به؟» فصمت الأصمعي، وقد أُلجم بالحكمة. وقال الحجاج بن يوسف لامرأة من الخوارج متوعدًا: «والله لأعدنكم عدًّا ولأحصدنكم حصدًا!» فقالت بلا خوف: «الله يزرع وأنت تحصد، فأين قدرة المخلوق من قدرة الخالق؟!» وساقت أعرابية أربعة حمير، فمرّ بها رجلان فقالا ساخرين: «نِعمتِ صباحًا يا أمَّ الحمير». فقالت على الفور: «نِعمتم صباحًا يا أولادي». فانقلبت السخرية عليهم حياءً. ولما مدحت ليلى الأخيلية الحجاج، قال: «أعطوها ألفًا من النَّعَم». فقال الخازن: «إبل أم غنم؟» فقالت ليلى سريعًا: «ويحك، الأمير أجلُّ من أن يعطي الغنم، بل إبل». فلما خرجت قال الحجاج: «قاتلها الله، والله ما أردتُ إلا الغنم!» سؤالي لكم: أيّ هذه المواقف أعجبكم أكثر؟ وهل ترون أن سرعة البديهة نعمة أم سلاح؟ إن راق لكم هذا التراث الذكي، فلا تبخلوا بالإعجاب والمشاركة، فالكلمة الحكيمة لا تموت. — بقلم هيثم الحبوني المصادر: الأغاني للأصفهاني، عيون الأخبار لابن قتيبة، العقد الفريد، كتب النوادر والأدب العربي.