ساق صناعية, قصة صغيرة.. بعد حادثة حزينة قرر الأطباء بتر رجله إنقاذاً لحياته بخسارة أقل بدلاً من خسارة أكبر، ولكي يلطفوا له الأمر قالوا سنركب لك ساقًا صناعية ومعها لن تفتقد ساقك المبتورة بل ستؤدي نفس وظائفها تمامًا.. كان صعب الإقناع في البداية رغم الخطر المحدق به، كونه سيفقد قدمًا محمله بالذكريات لكل الأمكنة التي مشاها والطرق الطويلة التي كان مستمتعًا وهو ينقي حذاءه من حصاها، بل عليه أن يقبل بوجود عضو جماد ينضم لقبيلة أعضائه بلا ذاكرة، بلا أي شعور بالإنتماء للجسد، طفا على جلده الحزن حتى أنه كان بإمكان الحضور أن يتحسسوه بأيديهم.. بعد إجراء العملية وبعد أن افاق من تأثير المخدر، شغله الأهل والأصدقاء بالتبريكات على نجاح الأمر واستعادة حياته بعد أن كانت على المحك.. عاد إلى البيت محمولاً لم يجرب ساقه الجديدة، وحين خلي بنفسه قرر أن يتمشى في حديقة المنزل.. في البداية لم يظهر متزنًا على الأطلاق بل بدا كنمل مضطربًا في مشيه، لاحظ تغير نغمة خطواته بعد أن كانت هادئة الى شيء يشبه طرق المسامير على سطح صلب شعر بالامتعاض؛ لأن الساق الجديدة لا تعرف نفس الجوقة التي تعرفها الساق الأخرى.. يتمتم في نفسه لا بأس كل شيء يمكن تجاوزه بالعادة. الأن عليه أن يجلس ويلقن العناوين للساق الجديدة، أن يجربها في كل المهام التي يريد أن يقضيها، وفي كل مرة كان يعود في المساء متعبًا يخلعها، يستلقي ويضعها بجانبه بعد أن افتقد شعور أن يمد رجليه معًا بعد مشوار طويل.. مع الأيام شعر بألفة مع الساق الجديدة بل أحبها وصار يقربها منه دوماً، يلمعها بمنديله الخاص، يحزن لو تزحزحت سهوا وسقطت من الجدار كما لو أن أحدهم لكمه في رجله الأخرى، أكتسب نبضا مع مرور الوقت والتئم ايقاعها مع القدم الأخرى.. يقول الأن لم يعد شيء يزعجني.. فقط لو كانوا قد بتروا مع ساقي مشاويري القديمة!!!. بحسب السادة مدمني التدخين، فإن علب السجائر تتغير مذاقها من وقت إلى آخر، فالصنف الخفيف يصير ثقيلاً بعد فترة، وبعضها قد يسبب الصداع.. وهناك ما يتحول إلى ما هو قريب من محرقة نفايات بعد خلطها مع القش وقشور الفاكهة المعطوبة.. ورغم أن الحل الأنسب هو (الإقلاع) عن عادة التدخين لكننا نصر (تغيير) الصنف فقط.. بعد كل هذه الفلسفة سأكون صريحًا لأخبركم أني نسيت ما أنوي قوله فعلاً.. لكن على أية حال تذكروا بأن الحل الجذري أحياناً مع الذين يتورطون بأوجاعنا هو (هجرهم) لا (منحهم) فرصًا جديدة.. والسلام.