تقول العرب في أمثالها: من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟ تزوج رجل بدوي من فتاة من قبيلته، كانت حسنة الخُلق، طيبة الأدب، عفيفة، ومتدينة. وبعد مرور عام على زواجهما، نشب خلاف كبير بينه وبين أحد أبناء عمومته، أدى إلى مقتل ذلك الرجل. وبحسب أعراف القبيلة، اضطر الزوج إلى الرحيل بعيدًا عن ديار قومه، فاصطحب زوجته وانتقل إلى قبيلة أخرى. في تلك القبيلة الجديدة، كان البدوي كثير التردد على مجلس الشيخ، كما هو حال رجال القبيلة، يتسامرون ويتدارسون شؤونهم. وذات يوم، مرّ الشيخ بجوار منزل البدوي، فرأى زوجته صدفة، فانبهر بجمالها، واستولى عشقها على قلبه وعقله، فخطرت له فكرة شيطانية: أن يبعد الزوج عن البيت ليخلو له الجو مع زوجته. عاد الشيخ إلى مجلسه العامر برجال القبيلة، وكان الزوج من بينهم، فقال الشيخ: بلغني أن هناك ديارًا قريبة قد عمّها الربيع، وأرغب في إرسال أربعة رجال ليتأكدوا من ذلك. واختار أربعة، من بينهم الزوج. وكان الذهاب والعودة إلى تلك الديار يستغرق ثلاثة أيام. وفي ليلة سفرهم، وبعد أن عمّ الظلام وسكنت الأنفاس، توجه الشيخ إلى بيت البدوي، حيث كانت المرأة وحدها نائمة. وبينما يقترب من الباب، اصطدم بأحد الأعمدة، فأحدث صوتًا أيقظ المرأة. قالت المرأة بفزع: – من بالبيت؟ فرد الشيخ: – أنا شيخ القبيلة التي نزلتم عندها. قالت: – حيّاك الله، ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ قال: – لقد سحرني جمالك منذ رأيتك، واستولى على قلبي، وأرغب في قربك. فردت المرأة بهدوء وثقة: – لا مانع لدي، ولكن بشرط: لديّ لغز، إن حللته، نلت ما تريد. قال الشيخ مسرورًا: – اشترطي ما تشائين، فأنا أقبل بكل شروطك. فقالت: – اللحم إذا خيف عليه من الفساد، يُملّح، فمن يُصلح الملح إذا الملح فسد؟ ثم أضافت: – يمكنك أن تستعين بمن شئت، فإن جئتني بالحل، فلك ما أردت. عاد الشيخ إلى داره حائرًا، وتمرّغ في ليلته يفكر، دون أن يصل إلى إجابة. وفي اليوم التالي، سأل رجاله في المجلس بصوت عالٍ: – حتى لا يفسد اللحم يُرش عليه الملح، فمن يُصلح الملح إذا الملح فسد؟ توالت الإجابات من الحضور، كلٌّ حسب علمه، ولم يرضَ الشيخ بأي منها. وكان بين الجالسين رجل حكيم، عارف، فقيه في الدين، واسع الإدراك، لكنه لم يُجب. ولما انصرف الجميع، بقي الرجل في مكانه. فقال له الشيخ بغضب: – لم تجبني عن سؤالي! فأجابه الرجل بهدوء: – رغبت أن أكلمك على انفراد. أما اللغز، فهو بيت شعر قاله الإمام سفيان الثوري: يا رجالَ العلمِ يا ملحَ البلدْ ... من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسدْ؟ وأظن – والله أعلم – أنك راودت امرأة ذات دين وخلق عن نفسها، فأرادت أن تصدّك بلطف دون أن تفضحك، محافظةً على مقامك، وسترةً على بيتها وزوجها، فردّت عليك بذلك اللغز. فهي أرادت أن تقول: إن رجال القبيلة مثل الملح، إذا فسد أحدهم أصلحه الشيخ. ولكن من يُصلح الشيخ إذا هو فسد؟! كان لك أن تكون القدوة، فإن فسد القائد، ضاع من خلفه. وما فعلته المرأة ليس ضعفًا، بل حكمة وستر وحفاظ على الشرف والكرامة. حين سمع الشيخ هذا الكلام، انتبه قلبه، وندم على فعلته، وخجل من نفسه، وقال للرجل: – لقد أصبت كبد الحقيقة، فاستر زلتي، سترَك الله في الدنيا والآخرة. العبرة: جالس الحكماء ولا تجالس السفهاء، فإن الحكماء عظماء، وكلمة واحدة من عاقل قد تردع ألف شيطان. #قصة_و_عبرة