قصة مالك بن دينار مع دعاء العبد مستجاب الدعوة يقول مالك بن دينار : دخلت البصرة يوماً فوجدت الناس قد اجتمعوا في المسجد الكبير، يدعون الله من صلاة الظهر إلى صلاة العشاء، لم يغادروا المسجد. فقلت لهم: ما بالكم؟ فقالوا: أمسكت السماء مائها، وجفت الأنهار، ونحن ندعوا الله أن يسقينا، فدخلت معهم يصلون الظهر ويدعون، والعصر ويدعون، والمغرب ويدعون، والعشاء ويدعون. رؤية مالك بن دينار للعبد وسماعه لدعاءه خرجوا ولم يعطوا مسألتهم من السقيا، يقول: ثم ذهب كل منهم إلى داره، وقعدت في المسجد ولا دار لي، فدخل رجل أسود البشرة أفطس، أي صغير الأنف، أبجر، أي كبير البطن. عليه خرقتان، ستر عورته بواحدة، وجعل الأخرى على عاتقه، فصلى ركعتين ولم يطل، ثم التفت يميناً ويساراً لير أحداً، ولم يرني، فرفع يديه إلى القبلة وقال: إلهي وسيدي ومولاي، حبست القطر عن بلادك، لتؤدب عبادك، فأسألك يا حليماً ذا أناه، يا من لا يعرف خلقه منه إلا الجود. أن تسقيهم الساعة الساعة الساعة، يقول مالك: فما أن وضع يديه، إلا وقد أظلمت السماء، وجاءت السحب من كل مكان، فأمطرت كأفواه القرب، واستجاب الله لدعاءه. البحث عن العبد صاحب الدعاء المستجاب يقول: فعجبت من الرجل، خرج من المسجد فتبعته، وظل يسير بين الأزقة والدروب، حتى دخل داراً، فما وجدت شيئاً أعلم به الدار، إلا من طين الأرض، فأخذت منها وجعلت على الباب علامة. فلما طلعت الشمس، تتبعت الطرق حتى وصلت إلى العلامة، فإذا هو بيت نخاس يبيع العبيد، فقلت: يا هذا إني أريد أن أشتري من عندك عبداً. فأراني الطويل والقصير والوجيه، فقلت: لا لا، أما عندك سوى هؤلاء؟ فقال النخاس: ما عندي غير هؤلاء للبيع. مالك بن دينار يشتري العبد الصالح يقول مالك: وأنا خارج من البيت وقد آيست، رأيت كوخاً من خشب جوار الباب، فقلت: هل في هذا الكوخ من أحد؟ فقال النخاس: من فيه لا يصلح، أنت تريد أن تشتري عبداً، ومن في هذا الكوخ لا يصلح، فقلت: أراه، فأخرجه لي، فلما رأيته عرفته. فإذا هو الرجل، الذي كان يصلي بالمسجد البارحة، قلت للنخاس: اشتريه، فأجابني :لعلك تقول غشني الرجل هذا لا ينفع في شيء. فقلت أشتريه، فزهد في ثمنه وأعطاني إياه، فلما استقر بي المقام في بيتي، رفع العبد رأسه إلي وقال: يا سيدي لم اشتريتني؟ إن كنت تريد القوة، فهناك من هو أقوى مني. وإن كنت تريد الوجاهة، فهناك من هو أبهى مني، وإن كنت تريد الصنعة، فهناك من هو أحرف مني، فلم اشتريتني؟ وفاة العبد الصالح قلت: يا هذا، بالأمس كان الناس في المسجد، وظلت البصرة كلها تدعوا الله، من ظهر إلى ما بعد العشاء، ولم يستجب لهم. وما إن دخلت أنت، ورفعت يديك إلى السماء ودعوت الله، حتى استجاب الله لك، وحقق لك ما تريد، فقال العبد: لعله غيري، وما يدريك أنت لعله رجل آخر. قلت: بل هو أنت، فقال العبد: أعرفتني؟ فقلت: نعم، فقال: أتيقنتني؟ فقلت: نعم، يقول مالك: فوالله ما التفت إلي بعدها، إنما خر لله ساجداً فأطال السجود. فانحنيت عليه فسمعته يقول: يا صاحب السر إن السر قد ظهر فلا أطيق عيشاً على الدنيا بعدما اشتهر وفاضت روح العبد الصالح بعد ذلك إلى بارئها، اللهم اجعلنا من عبادك الأتقياء الأنقياء ...