والدتي هي الوحيدة التي أستطيع من أجلها حمل المشاعر المُقدسة ووضعها بجوار منزلنا لأجل أن تؤدي شعائر الحج دون عناء الذهاب إلى أم القرى ، أمي هي الكائن الوحيد الذي سأفتقده إنْ رحلت إلى رب العالمين ، وهي الكائن الوحيد الذي أناديه يا ملاكي الطاهر ، وهي الكائن الوحيد الذي يستطيع أنْ يقول لي بأن اللبن نأخذه من الأفيال مثلاً وأقنع بذلك تماماً ، كيف لا وهي تلدك وفي داخلك جهاز إرسال روحاني يتصل بها كلما أصابك شيئاً لتسألك ( وليدي فيك شيء ؟ ) ، والدتي هي الكائن الوحيد الذي يجعلني أضحك وأنا أشعر بغصّة من شدة البكاء خوفاً من فقدانها ! ، والدتي هي الكائن الوحيد الذي أتبرع له بجهازي الهضمي والتنفسي والعصبي والدموي لأجل أنْ تحيا يوماً فوق ما كُتب لها لأقضي ذلك اليوم أبكي تحت أقدامها كي تدعو لي دعوة من دعواتها المُستجابة بإذنه تعالى ، لا أتخيّل يوماً أنْ أفقد تلك النعمة الربّانية والصِلة الحقيقية برب العالمين ، كيف لا وهي التي تقضي جُل عمرها تراك طفلاً كذلك الذي وضعته في المهد ، كيف لا وهي التي تزداد حناناً كلما ازددت أنت جفاءً وقسوة ، كيف لا وهي التي تحمل همّك قبل أنْ يهمُّ الهمّ بالهمامِ عليك ؟! ، كيف لا وهي التي تذرف الدمع وأنت في أشد لحظاتك فرحاً لأنها تعرف بأنَّ هذا الفرح لا يدوم طويلاً ، ألهذا سُمّيت بدموع الفرح ؟ ، أم أنها دموع ما بعد الفرح ؟! ، ماذا فعلتم لأمهاتكم ؟ ، هل تُدرك أي خير ينتظرك لمجرد تقبيلك لرأسها ؟ ، وأي دعوة تلك التي تخرج من قلبها لتعانق عنان السماء ! ، وأي بركة يطرحها الله في كل أمرٍ يكون لأمك يد فيه ؟ ، أنت تعيش في الأمل حالياً ، كل ما حولك اعتيادي ! ، قد تصحو نهاراً وترى أمك قبل خروجك من المنزل ، قد تعود ظهراً وتراها أيضاً ! ، قد تصحو بعد غفوة وتجدها كذلك ، ربما تعود ليلاً وتجدها جالسة ، أقول ربما ! ، لكن تخيّل أنْ بدَّل الله هذه الحال ، وأخذ أمانته ! ، وفقدتها .. أي ندم يعوّض فقدانك إياها ؟ ، وأي حزن ستمتلئ به أيّامك ؟ ، وأي ضيقة ستعيش فيها ؛ فُقدان الأم أبداً لا يمكن تعويضه ، وكعادتنا .. نحن لا نستشعر قيمة الأشياء إلا بعد فقدانها .، إلا والداتكم أرجوكم ، اجثوا تحت أرجلهن ، فتقبيل قدم الأم أطيب من تقبيل ثغر البكر .