أنا سيّئ، سيّئ للغاية، أقولها بلا مواربة، بلا محاولةٍ لتجميل قبح الحقيقة أو تغليفها بعذرٍ واهٍ؛ سيّئٌ في قراراتي، في اندفاعي الأرعن، في تهوري الذي يسبق تفكيري، في كلماتي التي تخرج كسياطٍ قبل أن أعي حجم الألم الذي تتركه، أتحرك في الحياة كزلزالٍ أحمق، أدمّر كل ما يحيط بي دون قصدٍ أو تخطيط، ثم أقف وسط الركام، أحدّق في الخراب الذي صنعته، وأتساءل كالأبله: كيف حدث هذا؟ أنا أؤذي من أحبني، أولئك الذين رأوا فيّ ما لم أره في نفسي، الذين مدّوا أيديهم نحوي بصدقٍ بينما كنت أنا منشغلًا بتكسير أصابعهم دون أن أشعر، خسرت أشخاصًا كان حبهم لي يفوق حبي لنفسي، لا لشيء سوى لأنني لم أتعلم كيف أكون إنسانًا جديرًا بذلك الحب، غبائي كان سيفًا مسلطًا على رقاب من اقتربوا مني، حماقتي كانت كفيلةً بطرد كل من حاول أن يمنحني شيئًا من نفسه، والآن؟ لا أملك إلا أن أشفق على نفسي، وأشفق أكثر على من لا يزال يعتقد أنني شخصٌ يمكن احتماله. أنا كارثةٌ متنقلة، عاصفةٌ غير متوقعة، لعنةٌ تحل على كل من يقترب أكثر مما ينبغي؛ لا أجيد الاحتفاظ بشيءٍ جميل، فكل ما يصل إليّ إمّا أن أكسره أو أفقده أو أتركه يذبل بين يديّ، كم مرةً قلت لنفسي: تريّث، فكّر، لا تندفع... ثم في اللحظة التالية وجدتني أقع في الفخ ذاته، أرتكب الخطأ ذاته، أكرر المأساة ذاتها؟ يبدو أنني لا أتعلم، أو ربما لا أريد أن أتعلم، لأن التعلم يعني الاعتراف، والاعتراف يعني مواجهة ذاتي، وأنا أهرب من ذاتي كما يهرب المذنب من مشهد جريمته. ولأنني كذلك، لأنني لست إلا شخصًا يحترف الهدم أكثر مما يحترف البناء، فإن خير ما يمكن أن أفعله هو العزلة، أن ألوذ بالوحدة كما يلوذ المذنب بزنزانته، ليس طمعًا في راحة، بل خوفًا من إلحاق المزيد من الأذى بالآخرين؛ الوحدة ليست عقوبةً لي، بل رحمةٌ لهم، لأنها تحميني من نفسي، وتحميهم مني، سأعيش في ركنٍ بعيد، حيث لا أخطئ، لا أؤذي، لا أكسر شيئًا، ولا أخسر أحدًا، سأكون مجرد ظلٍ عابر، شبحٍ بلا صوت، ذكرى غير مكتملة... وهذا، بقدر ما يبدو كئيبًا، قد يكون أكثر شيءٍ حكيمٍ فعلته في حياتي. - شاهين حسن هليل.