ما حزنتُ يوماً على امرئٍ حاول أن يعانق حُلمه فلم يُدركْهُ، بقدر حزني على من عاش خاملاً فاتِراً لم يحلُمْ، ولم يتطلَّع، ولم يَصبُ إلى معنى شريفٍ؛ قلبُه خواءٌ من بر، ونفسُه لا تضطرب لمَكرُمة، وروحُه لا تتطلَّع إلى فضيلة، لا هدفَ يستثيرُ عزيمتَه، ولا هم يُؤرق مضجعَه، ولا غايةٌ تَستلُّه من رِبقة الخُمُود. عاش خافتَ النفس، خاليَ القلب، خامدَ الهمّة، كأنّما أُخرج من العدم ليحيا عدما آخر. أمَا والله إنّ الحياةَ الحقيقية هي تلك التي يتعلق فيها القلبُ بأمنياتٍ شريفة، ومطامحَ سامية، ومآربَ تُطاوِلُ الجبال شموخاً ورفعةً؛ وإن لم يبلغ جميعَ غاياتِه، وإن لم يُحققْ كل أهدافه، فالسعيُ في ذاته نعيم، والغايةُ في ذاتها شرف، والألمُ فيهما حياة! وكل نبضة في قلبك تنبئك بأن الله اختارك أنت بالذات، ووهبك حياة، وذلَّل لك الوسائل لتُريَه أحسنَ ما في نفسك، وتُخرجَ من نفسك أثمَنَ ما وُضِعَ فيك؛ لن يسألك عمّا عجزتَ عنه، ولن يُحاسبَك على ما لم يكن في قدرتِك، لكنّه سبحانه حتماً سائلك عن نعمِه وعطايَاهُ، ما عملتَ فيها؛ فأعِدَّ للسؤالِ جواباً، وتدبر شأنَك، وتبيَّنْ مواطئَ أقدامك، فما أمَدَّ الله في عمرِك إلا ليبلُوَ عملَك، ولا أفسح لك في أجلِك إلا ليَختبرَ سعيَك. فكل نفس يتردد في صدرك هو نعمة تستوجب الشكر ومضاعفة السعي، وكل صباح يشرق عليك ولم تزل حياً هو عهد آخر مع الحياة، بأن الوقت ما زال فيه متسع لتملأ حدائق جنتك بغراس الباقيات الصالحات. هذه فُرصتكَ فانهضْ... وهذه مِنحتُكَ فشمِّرْ... وأعمالٌ تُرفَعُ بالليلِ والنهارِ فاستبِقْ... وعطايا من الكريم فاغتنِمْ! وما الأيامُ فينا دقائقُ تُعدُّ أو ساعاتٌ تمضي، وإنّما هي تلك اللحظاتُ التي عاش فيها القلبُ مُخبِتاً لله، ونبضتْ فيها الروحُ بمعاني السماء، وسمَتْ فيها المعاني بنفحاتِ الوحي. {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}. صباحُ الخير..🧡